إنَّ كلَّ شيءٍ في حياتنا يتصل اتصالًا وثيقًا بديننا ومعتقداتنا؛ فنحن نؤمن بالنظافة ونسعى إليها، ونتحلَّى بخصال إكرام الضيف بالطيب والتطيُّب، حتى لا يظهر منا إلا الفعل الحَسَن والرائحة الطيبة. وبناءً على هذا الارتباط الوثيق، نستخدم البخور كجزءٍ من ثقافتنا الدينية والاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، وردت بعض الأحكام الشرعية التي تتعلق باستخدام البخور في الشريعة الإسلامية، ونذكر أهمَّها في هذه التدوينة.
1- هل البخور يُفطر الصائم؟
سُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عن حكم استنشاق البخور للصائم، فأجاب:
“البخور والعطر لا يفطران، له أن يتطيب ويتبخر ولا يفطره ذلك، لكن لا يستنشق البخور أحوط خروجًا من الخلاف؛ لأن بعض أهل العلم يرى أنه يبطل الصيام. أما إذا شمّ الإنسان الطيب في المسجد أو في البيت من غير استنشاقٍ مباشر، فلا يضر، والحمد لله.”
المصدر: موقع الشيخ ابن باز
2- ما حكم خروج المرأة من البيت وهي متبخِّرة؟
يجيب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
“إذا بقيت رائحة البخور فلا فرق بين البخور وبين الدهون، أما إذا لم تظهر -كما هو الغالب في البخور- إلا لمن دنا جدًّا من الإنسان وشمَّ لباسه، فهو أدنى من الدهن. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيُّما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا صلاة العشاء)، ولم يقل فلا تخرج من بيتها. فالمهم أنه إن كانت رائحة البخور فائحة وتشُمُّ إذا مرَّت عند الرجال فهو حرامٌ عليها، وإلا فلا.”
المصدر: كتاب فتاوى نور على الدرب للعثيمين
3- ما حكم تبخير الحمَّام؟
وُجِّه سؤالٌ عبر موقع الشبكة الإسلامية عن وضع البخور في الحمام أو دورات المياه، فكان الرد:
“إن كنت تقصد جعل شيءٍ من البخور في الحمام فلا حرج في ذلك إن لم يكن بقصد فاسد كاعتقاد دفع ضرر الجن ونحو ذلك. وجعل البخور في الحمام قد يكون لدفع ما فيه من روائح كريهة أو لتطييب رائحته كغيره من الأماكن. والله أعلم.”
المصدر: كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية
4- ما حكم حرق البخور لطرد الجن؟
يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
“لا أعلم لهذا العمل أصلًا شرعيًّا، والواجب تركه؛ لكونه من الخرافات التي لا أصل لها. وإنما تُطرَد الشياطين بالإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن، والتعوُّذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرَّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك).”
5- ما حكم تبخير الإحرام؟
قال صلى الله عليه وسلم:
«لا يلبس المحرم ثوبًا مسَّه وَرَسٌ أو زعفران»، ولم يُفرِّق بين أن يمسَّ ظاهره أو باطنه. فدلَّ ذلك على عموم الحكم بشمولِه كلَّ ما يعدُّه الناس طيبًا، سواءٌ أكان له لونٌ أم لا لون له. كذلك لا يجوز التطيُّب بالعود أو أيِّ بخورٍ ذي رائحة؛ لأنَّ المقصود من الطيب رائحته، فإذا عبِق الثوب برائحة البخور عُدَّ طيبًا. ولهذا يُجنِّب المحرم الطيب على إحرامه.
المصدر: كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية
بعد قرائتنا لهذه الأحكام يتبيَّن لنا مدى أهميَّة استعمال الطيب والبخور في المواضع الصحيحة والمناسبة، مع مراعاة الأحكام الشرعية التي تنظِّم هذا الاستخدام. فالحرص على معرفة هذه الأحكام والعمل بها يُعدُّ من تمام التفقُّه في الدين، ومن الالتزام بسُنَن الإسلام وتعاليمه.
